الثلاثاء، 7 أبريل 2009

احد ضحايا كازا نيكرا

انتهى يوم متعب من أيام سفري القليلة ، فطور عند صحراوي حي المحيط ، غداء في باب الأحد ، ولقاء مع أحبة قدامى ، مر اليوم هكذا سلسا جميلا ، وحان وقت العودة , الثامنة مساءا والطريق إلى خريبكة طويل متعب . استقلت الحافلة إلى القامرة .كالعادة زحام في زحام وفوضى فوق فوضى ، من الحافلة إلى المحطة إلى حافلة العودة ، هاربا من ساكني المحطة المتطفلين الدين تعودوا تلقف كل مسافر حتى قبل وصوله إلى المحطة ، حصلت بالكاد على مقعد في مؤخرة الحافلة ، والى الدار البيضاء فقط لان رحلات خريبكة تنتهي مبكرا . بفينا أكثر من ساعة في المحطة ننتظر خروج الحافلة، تناوب علينا فيها الباعة والمتسولون وفنانو الشوارع وعابرو السبيل المزيفون. تحركت الحافلة، جلست إلى جانبي عجوز في الستين أو السبعين، حدثتني بكلمات لم أفهم جلها. وضع ممل دلك الذي مرت فيه ساعة سفر تخلصت من ملابسي ، جربت الاستماع إلى الموسيقى ، النوم ، الاستماع إلى أحاديث المسافرين الثنائية دون أن أرى لهدا الطريق الطويل نهاية . على مشارف الدار البيضاء مرورا بالإحياء المظلمة كانت الحافلة تتخلص من زبنائها الواحد تلوى الأخر ، وتعوضهم بزبناء جدد من الراحلين إلى الجنوب " اكادير " وتلك كانت وجهة الحافلة النهائية .

توقفت الحافلة في احد مكاتبها ، صعد الكثير من المسافرين ، وطلب منا نحن النزول لان الحافلة ستتجاوز محطة ولاذ زيان ، هكذا قرر مسئولو الشركة ، حاولت الاعتصام الحديث مع المسئولين دون فائدة ، نسيت للحظة أن ملوك الطريق في المغرب كائنات لا تسمع ولا تخضع ، أوكلت أمري إلى الله ونزلت متجاوزا الزحام بمحفظتي ، جلست للحظة قرب الحافلة ، أحاول تهدئة نفسي ، علي أن أكمل الطريق راجلا إلى المحطة ، أكملت خطواتي إلى المحطة راجلا كانت الطريق ظلاما في ظلام ، لكني لم أفكر في استئجار تاكسي ربما لعرق بخيل مازال ينبض بداخلي ، رغم تغير الأسماء والأشياء .وصلت المحطة كالعادة ، قراصنة الطريق كانوا في الموعد ، الكل يدعوك إلى كل المدن ، بيده كلا ألوان الورق ينادي على مسافري الشمال والجنوب والشرق والغرب دفعة واحدة ، وطعمه أن ترد عليه حتى تصبح مرغما على استكمال المعاملة . حاولت تجاوزهم في الباب حيث أوقفني عامل الحراسة ، حاولت أن اشرح له دون فائدة ، فاسترضيته بدرهمين ( عفى الله عن الراشي ) ، أوصلني إلى الحافلة عبارة (خريبكة- بني ملال) واضحة على الزجاج الأمامي للحافلة ، اقتربت من مسئول التذاكر فأبى أن يحجز لي مقعدا لخريبكة ، قال انه يفضل زبناء بني ملال لان اليوم كان نهاية الأسبوع ولن يحتاج إلى أمثالي . حاولت رفع الراية الحمراء ثانية دون فائدة ،فكرت وقد كان الوقت قد تجاوز العاشرة مساءا وقد تكون هده أخر رحلة ، اقتربت منه ودفعت له 50 درهما وركبت ( نصف خسارة ولا خسارة كاملة )

جلست مكانيا كارها أمثالي الدين يغدون هدا المغرب الفوضوي راغبين أو مرغمين. فكرت في الاتصال بالمنزل للاطمئنان على أمي بحثت عن هاتفي من ذا الجيب إلى ذاك الجيب ، ااه....... لقد سرق هاتفي توسلت لشريكي في المقعد أن يتصل بالرقم لكن الهاتف كان غير مشغل ، أمسكت برأسي وتوكأت على مؤخرة الكرسي أمامي غير قادر على تحمل هدية أخرى من كازا نيكرا .

السبت، 14 مارس 2009

الرحامنة في الصحراء


تندر المعلومات المتعلقة بمقام الرحامنة في الصحراء خاصة في المصادر المغربية, بل إنها تكاد تكون منقرضة. غير أننا نجد إشارات هامة حول حياتهم في بلاد القبلة(تسمى منطقة سوس لدى الصحراويين بهذا الاسم تمييزا لها عن التل الذي يعنون به المناطق الموجودة شمال جبال الأطلس) في الوثائق البرتغالية و الفرنسية, و كذلك في كتابات بعض الرحالين أمثال الوزان (حسن بن محمد- وصف إفريقيا) و فرنانديس (فرنانديس فالنتين:”"وصف الساحل الإفريقي من سبتة إلى السنغال”") و مارمول كربخال “إفريقيا“.

هذه المصادر المتنوعة أفادت في تكوين فكرة حول مقام الرحامنة, و أنشطتهم هناك, و جهادهم ضد المسيحيين و ظروف نزوحهم نحو الشمال.

الرحامنة من المجموعات المعقلية -اليمنية الأصل- التي استقرت بالصحراء, حيث كانت تنتشر على أطرافها الشمالية. وكانت هذه المجموعة تضم الرحامنة و أولاد احمر- المستقرين على الساحل الأطلسي جنوب جبال الأطلس- ثم البرابيش و الاوداية المنتشرين في الداخل (مارمول)

تتمة


الخميس، 19 فبراير 2009

قدسية اللغة العربية

قدسية اللغة العربية

بقلم:محمد علي الحلبي

في بيت شعر لشاعر عربي قديم صورة حلوة لحالة وجدانية يعيشها عندما تتوغل نفحة قدسية قلبه وتستكين فيه،وتأتلف معه ويتآلف بدوره معها يقول فيه:

وجاءت لقلبي نفحة قدسية فغبت به عن عالم الخلق والأمر

في تلك اللحظات الطاهرة يحمله قلبه إلى عالم الصفاء والنقاوة والبركة ليغيّبه عن عالم الخلق والأمر والهواجس والتوجسات،وفي بعض الأحيان الآثام،وفي معجم أساس اللغة يرتفع دعاء محب لحبيب له قائلا ً: "أنزلك الله حظيرة القدس" وهي الجنة، وفي كتاب أبجد العلوم أتى على ذكر"القوة القدسية : وهي المجردة عن الهوى" الناسكة العابدة في صلواتها وعباداتها تتوق إلى الواحد الأوحد وهو الله جلت قدرته،ومن أسمائه الحسنى"القدوس"مطلق الحق والخير والجمال.

ولقد تكرم الله العزيز فمنح لغتنا العربية هبة من القدسية الأبدية من لا حدود تحد كماله في قوله تعالى في كتابه العزيز:"إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تتقون"سورة يوسف-الآية2، "كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون" سورة فصلت-الآية3،"إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تتقون"سورة الزخرف-الآية3، " " وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق " الرعد الآية 37 وبهذه المعاني السامية التقى في تتقون،والعلم وما جاءك منه....بيّن....غير ذي عوج لقوم يعلمون. استجابت اللغة العربية في تعابيرها ومضامين هذه التعابير لكلام الله فضمت بين حروفها الطهر - كلام الله - في أروع معانيه،ومن روائع هذه اللغة مجاراتها لكلامه تعالى فقد جاء في القرآن الكريم عن حكاية الخلق:"ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين"سورة المؤمنون-الآية12،"إنا خلقناهم من طين لازب"سورة الصافات-الآية11،واللازب:هو اللاصق،"إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال كن فيكون"سورة آل عمران-الآية59.

وعودة إلى حكاية الخلق وبداياته كان خلق"آدم"عليه السلام وهو اسم سماه الله جلت قدرته به،وقد تماشت لغتنا ومنذ ذلك العصر مع قدسية التكوين لمن خلق من تراب وسجدت الملائكة له فاشتقت منه وأضافت إلى اسمه "ياءً" فكانت كلمة أديم وهو سطح الأرض الممتلىء بالتراب والطين فتماثلت الصورة بين المعنيين.

ومن شواهد قدمها منذ بدايات الخلق،فعلماء اللغات أثبتوا وأكدوا أن أصوات الطبيعة كانت مصدر الوحي والإبداع اللغويين،ومن الصور الحسية المرافقة لها اشتقت الكلمات وطورت المعاني،فمن صوت الألم والمعاناة كانت الكلمات "أنّ وأنين " ، ومن صوت فقفة الماء المغلي اشتق العربي: فقأ الدمل،وفقع،وفقس البيض،وفقه العالم الحقيقية، ومن صوت حركة الماء في النهر والصور المرافقة له كان خرير الماء، - فخرج - من منبعه ، وشقه لمجراه....خرم،خرق، وكان الحت على جوانبه: "خرب " ، ومن صوت "تر" صوت سقوط الماء جاءت كلمة درّ الحليب وإن أبدلت التاء بــ "ذ" فكانت كلمة ذرّ بمعنى نثر،وتوسع التلون في الخيال المرئي فكانت الذرية وتعددها وانتشارها كالذرات،وكانت الدرر.

وماذا عن قدسيتها الأبدية؟!.....

تلك كانت البداية، وعن النهاية قال رسولنا العربي صلى الله عليه وسلم:"أحبوا العرب لثلاث، لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي". ولقد تميزت الحضارات القديمة برموزها العمرانية،والتماثيل المنتشرة في أرجائها واللوحات التعبيرية عن الحياة والموت والخلود،والحضارة العربية وعلى مشارف الحياة البشرية الأولى ومن رمال الصحراء الواسعة نبت الحرف فيها ونبتت حضارتها ، وتجمعت الحروف في كلمات وتعابير كانت الروعة فيما أنتجت،وفي الليالي الصحراوية الصافية تتلألأ النجوم ويتدرج نور القمر ليكون بدراً.

تلك المشاهد الكونية علمت العربي علم النجوم والفلك فالشاعر ثابت بن سفيان الملقب ب" تأبط شرا " المتوفى سنة 85 قبل الهجرة قال في أحد أبياته :

يرى الوحشة الأنيس ويهتدي بحيث اهتدت أم النجوم الشوابك

وأم النجوم : المجرة لكثرة كواكبها

ولأن في النظر أغلب الأحيان الى النجوم تمعن ودراسة لذا قال العرب " نظر النجوم " ويقال ذلك لمن تفكر في أمره لينظر كيف يديره – المصدر : معجم العين - ومع تقدم الأيام يقول النويري في كتابه " نهاية الأرب في فنون الأدب "

" والثاني علم السماء والأرض وهو معرفة ماهية جواهر الأفلاك والكواكب وكيفية تركيبها , وعلة دورانها , وهل تقبل الكون كما تقبل الجهات الأربعة , وعلة حركات الكواكب واختلافها في السرعة والإبطاء "

كانت حضارة من السماء تاقت اللغة لها وسعت نحوها وسمت اليها ، إبداعات لغوية تصاعدت من حبيبات الرمل لتتوحد مع السماء فكراً ونجوماً وألقاً فكلمة "آية" يحفها ضياء نورها،وتجللها طهارة معانيها،وفي القرآن الكريم تعددت مراميها فهي المعجزة في قوله تعالى:"سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة"سورة البقرة-الآية211،ومعجزات موسى عليه السلام وتنكر بني إسرائيل لها معروفة أيضاً وهنا العلامة في قوله تعالى:"إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم"سورة البقرة-الآية248، لكن لها معنى جديدا وهو العبرة في قوله تعالى:"إن ذلك في آية"سورة البقرة-الآية248،وهي أيضاً بمعنى العجيب في قوله تعالى:"وجعلنا من ابن مريم وأمه آية"سورة المؤمنون-الآية50،وهي البرهان والدليل في قوله تعالى:"ومن آيته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم"سورة الروم-الآية22،وهي أخيراً تعني المجموع،ومنها قولهم خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم.

ومكمن الكنوز في لغتنا لربما في تفردها وخصوصياتها عن باقي لغات الأرض جمعها في باقة واحدة يفوح عبقها من ترابط الكلمة بمعانيها والمشاهد اللاحقة بها،فمن الصور الجمالية الرائعة أن تتزين المرأة الغزلة والمحببة إلى قلب زوجها والتي أسمتها اللغة "بعروبة وعربة" بعقد من اللؤلؤ غاص زوجها في عمق البحر وجمعه لها،أمنيته أن يزداد حبها له،وازدياد فيض المشاعر والعواطف بينهما يصبح كفيض النهر يغمر كل وجودهما،وتلألأ اللؤلؤ على جيدها تلألأ النجوم في السماء فكان الألق والنور،وحرارة صدرها يخففها برد اللؤلؤ.....إنه الحب بضم الحاء،وهو كالحب في فتحها،ينبت الأول من القلب،والثاني من عمق الأرض،ويزدادان نمواً ويطرحان الزهور وفيض المشاعر،وعبق الرائحة،ويقدمان الثمار ومنها الأسرة والخير العميم،ولقد ارتضى الله العزيز القدير لنفسه أن يكون من أسمائه الحسنى "المحب" فهو النبع الأبدي السرمدي لحب ما خلق،ومبعث خير أزلي لعباده.

وقديماً أضاف المرزوقي في كتابه (الأزمنة والأمكنة) لوحة إلى العرض ففيه"يقال للمتهلل وجهه:عرابة،وبئر عرابة:أي كثيرة الماء"ولنجمع هذه الأضمومة الجديدة عروبة-عرابة-المرأة-الوجه الباسم والبئر الفياض ماؤه جميعها تقدم الهدايا بعطاءات كبيرو كثيرة.

وإن شدنا الشوق زمناً لنسير ونمشي في دروب عشق اللغة وحبها والتيم بها لوجدنا أناقة الترابط في نقل صور الطبيعة بحس العربي المبدع فالكون من كان -مكان- كائن، ومن وجد الشيء الوجدان-التواجد-الوجود-والوجد(الشوق)،ومن حرف الباء ابتكرت العبقرية العربية بابا-أب-أبَّ أي اشتاق أو انتصبت هامته،وأبه أي نطق،والأبهة النخوة والعظمة،وأبى:ترفع عن الدنيا،ومن حرف الميم ماما-أم-أمَّ من الإمامة والقصد والأمة في ترابطها وحنوها كحنو الأم على أبنائها،ولوحة موشاة مزينة بزخارف أنيقة إنها (الرحابة) وهي السعة،ومن علا:يعلو-والعلو-والعلاء،رحب وسيع لا حدود له،وكذلك العلم لا تحده الآفاق،وتتوحد جميعها أيضاً باسم الله"العليم".

والكنوز تتدفق تدفق الأماني ونزوع الأمة العربية للخير يشبه في عطائه الزهر عندما يزهر،وهنا جمال العقيدة،وجمال عقد الزهر، فكلمة رحيمة تضم الجميع كالرحم،وقديماً أطلق اسم صبا على من أسلم ومنها صبا- يصبو وفي اعتناق الإسلام توجه إلى الأعلى صبأ،،والصِبا مقتبل العمر وربيعه،والصبا أيضاً:ريح تهب من ناحية الشرق،

ولنترك الحديث للحروف والكلمات لوحدها نجد الحلاوة في تقاربها من بعضها حروفا ومعنى فالحصان بفتح الحاء هي المرأة العفيفة حصنت نفسها من الزلل وجمعها حواصن،والحصاة:الفهم وقيل العقل،والعقل يعصم ويحصّن ويصن صاحبه من الزلل، والدكتور فاضل السامراني يشرح لنا دقة تعبير-الحمد لله-فيقول:"كان يمكن أن يقال المدح لله أو الشكر لله،والمدح هو الثناء وذكر المحاسن من الصفات والأعمال،وقد يكون للحي ولغير الحي،وللعاقل ولغير العاقل،لكن الحمد فهو الثناء وذكر المحاسن مع التعظيم والمحبة ويخصص للحيّ العاقل"ويضيف شروحاً جديدة ويقول:"الحمد لله جملة اسمية،والجملة الاسمية تدل على الدوام والثبات بينما الجملة الفعلية ترتبط بزمن معين ولا تفيد بأن المفعول مستحق للفعل فقد نشكر من لا يستحق الشكر بينما الاسمية تفيد استحقاقه للحمد تأكيدا،والحمد صفة القلب،والفرق بين أحمد الله أو نحمد الله فجملة الحمد معرفة بأل وأل تفيد العهد والاستغراق للجنس البشري وهي تفيد الإحاطة والشمول".

ولنوغل أكثر في دروب الطهر والنقاء والقدسية، ولنبحث في معاجم اللغة عن الاشتقاق من فعل أمن وفيه الطمأنينة والسعادة والراحة فنرى سيلا ًمن الكلم تعبر عن ذات المعنى الحاوي لكل ذلك إنها:

الأمن-الأمان-الإيمان-الأمنية-الأمانة-اليمن"البركة " -المنون-المنة-الميمنة(أصحاب الميمنة-اليمين)،ومن أراد أن يعب من هذا الحواء الكبير ويشرب منه،بل لينير وجهه من فيض ينابيعه فليبدأ بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث وبالقدر كله،فمنه المنطلق ومنه البداية،وفي كتاب (حلية الأولياء) للشيخ الإمام الحافظ أحمد بن عبد الله يقول"ما أوتي عبد بعد الإيمان أفضل من العقل،ولسان الإيمان التوحيد،وفصاحة العلم وصحة بصره اليقين مع العقل"والإمام أحمد بن حنبل وفي كتاب(سير أعلام النبلاء)يرشد إلى طريق الهداية للإيمان قائلا ً:"الإيمان قول وعمل يزيد وينقص،البر من الإيمان،والمعاصي تنقص الإيمان"والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد على العمل في قوله:"العمل من الإيمان"مضيفاً إليه معاني إنسانية في قوله:"الإيمان السماحة والصبر"وقمة هذه التعابير في اسم الله العلي القدير وهو"المؤمن"والإيمان في اللغة التصديق،ويقال آمنه من الأمان ضد الخوف،والله يعطي الأمان لمن استجار واستعان،الله المؤمن الذي وجد نفسه بقوله:"شهد الله أن لا إله إلا هو"وهو الذي يؤمن أولياءه من عذابه،ويؤمن عباده فهو خالق الطمأنينة في القلوب،وفي سورة الحشر في القرآن الكريم أتت على اسمه في قوله تعالى:"هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون".

والإيمان المنبع الروحي لكل القيم يزيد تنوعها وتعدادها وفي ذروته الأمانة تتبدى عبر التاريخ صوراً رائعة تثير كل مكامن الطهر والطهارة، فكتاب (حلية الأولياء) يروي حكاية عمير بن سعيد الأنصاري الأوسي المؤمن المؤتمن الزاهد الذي ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاية حمص وشك به بعد أن مكث حولا ًلا يأتيه خبره فأرسل له رجلا ًليطلع على أحواله،ولما رجع من عنده ولقي عمر فسأله:ما رأيت؟!....قال:رأيت حالا ًشديداً، قال:فما صنع في الدنانير؟!....قال:لا أدري، فكتب إليه عمر"إذا جاءك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تأتني ، فاقبل على عمر بن الخطاب،فدخل عليه،فقال له عمر:ما صنعت بالدنانير؟!....قال:صنعت ما صنعت،وما سؤالك؟!....قال:أنشد عليك لتخبرني ما صنعت بها،وكان عمير وعندما طلبه أمير المؤمنين أخذ الدنانير فشقت امرأته اسفل درعها فأعطته خرقة فجعلها فيها ثم خرج فقسمها بين أبناء الشهداء والفقراء ثم رجع- قال:قدمتها لنفسي،قال:رحمك الله،فأمر له بوسق من طعام وثوبين،فقال:أما الطعام فلا حاجة لي فيه،قد تركت في المنزل صاعين من شعير إلى أن آكل ذلك،وأما الثوبان؟!...فقال:إن أم فلان عارية،فاخذهما ورجع إلى منزله،فلم يلبث أن هلك رحمه الله،فبلغ عمر ذلك فشق عليه وترحم عليه.

وانتقل الإيمان إلى الأمانة،ومنها إلى الأمنية يقال:"انطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بقيع الفرقد فقال لأصحابه:ليتمن كل رجل منكم أمنية،فتمنى الجميع خيرة الأماني،وجاء دور عمر فقال:وددت أن لي رجلا ًمثل عمير بن سعد أستعين به في أعمال المسلمين".

والأمانة،وهي الفرائض التي فرضها الله على عباده في قوله تعالى:"إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن من حملها،حملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ً"سورة فصلت-الآية72ولأن الإنسان قبِِل الأمانة واحتمل سبلها ونَعِم بنتائجها الخيرة،ومن ذلك قال الرسول العربي(ص):"لا تزال أمتي صالحاً أمرها ما لم تر الأمانة مغنماً والصدقة مغرماً"والأمانة موضع مفخرة وفخار فالنابغة الذبياني المتوفى سنة18قبل الهجرة قال في شعر له:

فألفيت الأمانة لم تخنها كذلك كان نوح لا يخون

وللإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه رائعته في قوله:

أدّ الأمانة ، والخيانة فاجتنب واعدل ولا تظلم يطيب المكسب

وإذا بليت بنكبة فاصبر لها من ذا رأى مســلماً لا يُنكــب

وفي كتاب(البصائر والذخائر)لأبي حيان التوحيدي حكم حياتية وأوابد مثالية ففيه يقول:"قيل لبعض السلف:ما شيء أوسع من الأرض؟!....قال:الحق،قيل:فما شيء أثقل من السماء؟!...قال:الأمانة والبهتان على البريء،قيل:فما شيء أغنى من البحر؟!....قال:القانع".

والأمنية والتمني:فالتمني السؤال للرب في الحوائج،وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم:"إذا تمنى أحدكم فليستكثر فإنما يسأل ربه" والتمني أيضاً تلاوة القرآن الكريم،وكل شيء آثره الإنسان ويترك سعادة في كوامن نفسه،أما الأمنية فمن جميل القول عنها في الحكم العربية "من نال من دنياه أمنية أسقطت الأيام عنها الألف".

وفي كتاب (زهر الآداب وثمر الألباب) للحصري القيرواني جاء فيه من وصايا الحكماء" لقي أحدهم رجلا حكيماً فقال:كيف ترى الدهر؟!....قال:يخلق الأبدان،ويجدد الآمال،ويقرب المنية،ويباعد الأمنية،قال:فما حال أهله؟!....قال:من ظفر به تعب،ومن فاته نَصِب،قال:فما الغنى عنه؟!....قال:قطع الرجاء منه،قال:فأي الصحاب أبّر وأوفى؟!....قال:العمل الصالح والتقوى"والأمنية في تعريف لها في كتاب(التعاريف) هي:تقدير الوقوع فيما يترامى إليه الأمل.

والدعابة والطرفة نجدها كثيرة في كل الكتب القديمة فهي تضفي جواً من السعادة والحبور على قارئها،وفي مجال الأمنية وفي كتاب(ثمرات الأوراق في المحاضرات)لابن حجة الحموي يروي فيه أمنية أحمقين فيقول:"حكي أن أحمقين اصطحبا في طريق فقال أحدهما:تعال نتمّن على الله فإن الطريق تقطع بالحديث،فقال أحدهما:أنا أتمنى قطائع غنم أنتفع بلبنها ولحمها وصوفها،وقال الآخر:أنا أتمنى قطائع ذئاب أرسلها على غنمك حتى لا تترك منها شيئاً،قال:ويحك!أهذا من حق الصحبة وحرمة العشرة،فتصايحا،واشتدت الخصومة بينهما حتى تماسكا بالأطواق ثم تراضيا على أن من يطلع عليهما يكون حكماً بينهما،فطلع عليهما شيخ بحمار عليه زقّان من عسل فحدثاه بحديثهما،فنزل بالزقيّن وفتحهما حتى سال العسل على التراب،ثم قال:صبّ الله دمي مثل هذا العسل إن لم تكونا أحمقين".

ومن حكم وأمثال العرب القديمة"ربّ أمنية قادت إلى منيّة".

ويسير في ركب القيم والأصول الإنسانية الحقة بقية الاشتقاقات لتؤكد مجددا عظمة اللغة في الترابط الكبير بين الكلمات والمعاني المتواصلة به،ولربما تفردت لغتنا بهذه الجمالية دون غيرها من اللغات،فمؤتمن القوم:الذي يتخذونه أميناً حافظاً،والائتمان يحمله المؤذن معه طيلة عمره فهو أمين الأمة والناس على صلاتهم وصيامهم،أما المنّة فهي الإحسان بصورته المثلى،والامتنان وهو الحمد،ويرى مؤلف كتاب(صبح الأعشى في صناعة الإنشا)الخير العميم بالامتنان فيقول:"يقال في الدعاء الحمد لله على الامتنان،ومنه تستزيد عوائد الإحسان"وكلمة اليمين لاتخرج عن دائرة النور والصدق والعفة،فاليمين كلمة مشتقة من اليمن وهو البركة،واليمين:المنزلة والقسم،وفي الحديث الشريف"يمينك على ما يصدقك به صاحبك".

وعود على بدء،ففي البداية كان الخلق،وآدم،وأديم الأرض،واستمرت الحياة والمعمورة يملؤها خير وود وحب وإيمان وأماني،بل وأمنيات حيث ترتاح النفوس،وتخلد إلى السكينة المحببة للأرواح،وحتى الوصول إلى النهاية الأبدية نهاية الكون،ويا لسعادة من كانت الجنة ثمناً لإيمانه العميق،ويا لسعادته فلن يشعر بغربته عن اللغة فالرسول قال وصدق في قوله:"كلام أهل الجنة العربية".

وفي رحلة العمر القصيرة وعند سنوات الشيخوخة يحلو قرب النهاية،والأمنية الوحيدة والأخيرة تتجسد في المنون وهو الموت،وفي كتاب (قرى الضيف) يلقي أجمل الوصوف عليها إذ يقول في أبيات شعر وصفية:

في كل دار تغدو المنون ومن كل الثنايا مطالع النوب

يفوز بالــراحة الفقــيد وللفاقــد العــناء والتعــب

خضبتني الأيام لون بياض وخضاب الأيام ليس بناضي

وتخطتني المنون إلى شعري فأضحى مكفناً ببياض

ولعمري إني لغير لبيب في قتال الأيام بالمقراض

ليس شيء على المنون يباعد غير وجه المسبِّح الخلاق

وبعدها أمن شك في جمالية اللغة العربية؟!.....فلنغب في آفاق قدسيتها الرحبة ولنغبَّ من ينابيعها.

الأربعاء، 18 فبراير 2009

الرحامنة قلب و قبة الحوز

لا يمكن للباحث في اصل اسم مدينة ابن جرير أن يجد ما يشفي غليله سواء في الكتابات التقليدية أو الحديثة أو فيما جادت به الكتابات الأجنبية بهذا الخصوص و لا تكاد تحصل إلا على روايات شفوية لساكنة المدينة بين من يرجع الاسم إلى أصله العربي بحكم انحدار سكان المنطقة من شبه الجزيرة العربية، و من يحيلك على الكلمة اللاتينية كريكوا (أي اليوناني) في إشارة إلى إمكانية إقامة احد الأجانب بهذه المدينة التي استقطبت إلى جانب سكانها العرب، الامازيغ و الأوروب
ooooo.jpg

و إذا كانت ابن جرير بموقعها تشكل معبرا استراتيجيا على المشارف الشمالية لعاصمة الجنوب مراكش على الطريق الوطنية رقم9 و قربها من العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء ب167 كلم و مدن أخرى لا تقل أهمية كالجديدة و أسفي و بني ملال و قلعة السراغنة، جعل منها مدينة عبور بامتياز و قبلة لرواج تجاري و حركة دءوبة لا تنقطع أناء الليل و أطراف النهار، فان هذا الموضع المهم للمدينة و منطقة الرحامنة بشكل عام أهلها مند قرون خلت لتكون ممرا للقوافل التجارية و طريقا للمحلات السلطانية و البريد المخزني و بشكل خاص خلال القرن السادس عشر الميلادي سواء على عهد الدولة السعدية أو خلال حكم العلويين. و كانت النزائل ( المحطات التي تتوقف بها القوافل التجارية) الرحامنة خلال حكم المولى عبد العزيز على الشكل التالي: نزالت الرواكب بحافة الكنتور، نزالت غدير لخشب، نزالت بن محمد، نزالت لعظم، نزالت لبيار لقصار و نزالت أولاد بلة.

و بالإضافة لما أتاحه الموقع المهم للمنطقة و سكانها من قوة اقتصادية و سياسية، فانه ساعد في نشاط حركة معمارية خاصة مند أواخر القرن 12 الميلادي على عهد الدولة الموحدية. فقد انبثت التحريات الأثرية و بعض الحفريات التي قام بها الفرنسيون في أواخر الأربعينيات، وجود العديد من المواقع خاصة مخازن الماء بنزالت سيدي بوعثمان قرب قبلة الولي الصالح بهذا المركز الذي يقع على بعد حوالي 40 كلم من مراكش، و التي يجزم الأستاذ يوسف راجي الإله ( أستاذ باحث بجامعة السوربون بباريز) أنها من المركبات التي أمر ببنائها أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي لتزويد القوافل التجارية و التي تحتوي على مجاري و صهريج كبير للتصفية و مخازن للمياه و بنايات سكنية و برج للمراقبة، و توجت هذه المخازن بقطع خزفية ذات شكل مستدير يبلغ علوها 70 سم أما عددها فيناهز 65 تتميز بإحكام تزيينها و تزخر بزخارف نباتية و هندسية بالإضافة إلى جمل كتبت بخط مغربي اندلسي بديع.

و لم يسبق أن عثر على هذه المجموعات الخزفية الفريدة بهذا العدد في الغرب الإسلامي، و اكتشفت قطع مماثلة بسلا و تطوان و تلمسان و توجد بعض القطع بمتاحف طليطلة و قرطبة و مدريد و لندن. و إلى جانب هذا الموقع سجل الباحث وجود مواقع أخرى بالجبل الأخضر قرب وادي أم الربيع من جهة الشرق و قصور البحيرة في الجزء الشرقي و الجنوبي الشرقي لبحيرة المسجون ممثلة في اكبر موقع بها و هي مدينة أسفي أو مدينة لهري حسب التسمية المحلية، ناهيك عن الساقية اليعقوبية التي تمثل احد اكبر التنظيمات الفلاحية بشمال إفريقيا التي يبلغ طولها 90 كلم بنيت لجلب المياه من سدي الواد الأخضر و واد تساوت للبحيرة لتستعمل في سقي البساتين و مد الساكنة المحلية بالماء الشروب. إلا أن هذه المعالم الحضارية تعرضت للهدم و التدمير من طرف بني مرين و ما تبقى منها أهمل و استعملت مواد بنائها من طرف السكان المحليين. و لم تعرف المنطقة حركة معمارية بنفس الضخامة مند ئد و حتى بداية القرن العشرين، فقد سجل دوتي DOUTTE في كتابه مراكش خلال مروره بالمنطقة قادما إليها من دكالة في سنة 1902 ( اختفاء الدور المبنية بالحجارة حيث لم يكن يوجد سوى نوالات تتخللها بعض الخيام) و لم يشر خلال مقامه بالقبيلة إلى أي بناء صلب باستثناء قبب الأولياء، و خلص في ختام تحرياته إلى أن الرحامنة كانت مجال النوالة بدون منازع. و يذهب الأستاذ عبد الرزاق الصديقي ( أستاذ بكلية الآداب بالمحمدية) إلى أن غياب البناء الصلب بالمنطقة مرده إلى عدم اعتماده من طرف الرحامنة الذين كانوا قبل نزوحهم إلى الحوز يمارسون نصف الترحال في الصحراء حيث ميزهم فيرنانديس عن مجموعات معقلية أخرى مجاورة لهم لم تكن تتغذى إلا بحليب النوق في حين كان الرحامنة يعتمدون في تغذيتهم على الخبز و اللحم و الزيتون، بالإضافة إلى ما توفره النوالة و الخيمة من بساطة في التكاليف و سهولة الهدم و التفكيك مما يتيسر معه التخلي عن الديار اختيارا أو اضطرارا و كذا لعامل الهجرة و للطبيعة الجيبائية و التسخيرية في مغرب ما قبل الحماية.

و بتشييد القاعدة العسكرية بابن جرير على بعد 12 كلم منها في سنة 1942 و التي تعد الأن اكبر قاعدة عسكرية في المغرب، شهدت المدينة مرحلة انتقالية جديدة تميزت على الخصوص بتأسيس نواة مركز المدينة الحالي. و إلى جانب هذا المعطى سجلت سنة 1965 بداية إنجاز دراسات جيولوجية قصد استغلال مناجم الفوسفاط بالمدينة و التي توجت في ماي 1974 بانطلاق أشغال المركز المنجمي، و في 1975 تم الشروع في بناء الحاضرة الفوسفاطية ( حي مولاي رشيد حاليا) ليتوج كل ذلك في سنة 1981 بالشروع في استغلال مناجم الفوسفاط المكشوف و التي يبلغ إنتاجها حاليا 4.384.286 طن سنويا (2004) يتم نقله عبر شاحنات و قطارات إلى مركز الصناعات الكيميائية بأسفي أو بمعمل المعالجة اليوسفية و جزء من الفوسفاط المستخرج يوجه للتصدير إلى الموانئ المنجمية بالبيضاء و الجرف الأصفر، لتتحول بذلك ابن جرير إلى مدينة فوسفاطية يشغل بها هذا القطاع 800 شخص بين عمال و مهندسين و اطر.

و تعد الحاضرة الفوسفاطية التي تحتوي 851 وحدة سكنية نموذجا لحي يتوفر على مرافق صحية و تعليمية و رياضية و ترفيهية و ثقافية من الطراز الرفيع، إلى جانب جودة خدمات النظافة بها و حسن العناية بتجهيزاتها، بيد أن موقع هذا الحي السكني العمالي على بعد 4 كلم من مركز المدينة و التفاوت الصارخ بين واقع التجهيزات به و ما تعنيه باقي إحياء المدينة من بناء عشوائي و غياب النظافة، قوض من فرصة النهوض بتنمية مدينة كانت تنعت إلى عهد قريب بمدينة المستقبل.

بورتريه الرحامنة، القبيلة المتمردة


على ندرة الوثائق و الكتابات التي تناولت قبيلة الرحامنة فان دراسة مونوغرافية للأستاذ عبد الرزاق الصديقي تحت عنوان" الرحامنة و علاقتهم بالمخزن " 1850 -1900 استوفت المطلوب و بددت بعض الغموض الذي يلف هذا الموضوع. يذهب دولاشابيل DELACHAPELLE إلى أن الرحامنة من المجموعات المعقلية اليمنية الأصل التي استقرت بالصحراء على أطرافها الشمالية و كانت تضم هذه المجموعات سحب فيرنانديس FERNANDES " الرحامنة" و " أولاد احمر" المستقرين على الساحل الاطلنتكي جنوب الأطلس تم " البرابيش" و " الأوداية" في الداخل. و قد استبعد دوتي DOUTTE انحدار كل المجموعة من جد واحد، و ذهب بول باسكونPAUL PASCON إلى أنها اتخذت احد أسماء الله الحسنى " الرحمان" تم استمدت منه اسم " الرحامنة" على صيغة الجمع مند أن كانوا باليمن، و توجد عشائر تحمل نفس الاسم بالأردن و ليبيا و قد شكلوا قوة عسكرية يحاربون بأكثر من 10 ألاف محارب منهم 700 فارس و ساهموا خلال استقرارهم بالصحراء التي زاولوا بها الرعي و التجارة في مواجهة الغزو الايبيري لسواحل المغرب إلى جانب الشرفاء السعديين.


على عهد الدولة السعدية، نزح الرحامنة إلى الشمال و أشار مارمول MARMOL إلى هيمنتهم على المنطقة الممتدة من أسفي إلى مراكش و شكلوا اكبر مجموعة قبلية في الحوز حيث كان بمكانهم الإسهام ب 11 ألف حارك و هو ما لم يكن بوسع دكالة أو الشاوية أن يسهموا به. بيد أن وثائق " دو كتستري" تشير إلى أنهم تمردوا ضد المولى زيدان السعدي سنة 1916 و في سنة 1628 تعرضوا للمولى عبد المالك و خلال حكم الدولة العلوية، لما استخلف السلطان المولى عبد الله ابنه سيدي محمد على مدينة مراكش سنة 1747 تمرد الرحامنة على الخليفة و طردوه إلى أسفي. و كان لهم مكانة متميزة لدى المولى سليمان الذي خاطبهم سنة 1820 بقوله ( لما ولاني الله، نوهت بكم، و عملتكم بسوس و درعة، و وليتكم مراكش و خيرتكم على جميع القبائل .... و انتم قبة الحوز و قلبه... ).

و في سنة 1861 ، تمرد الرحامنة فحاصروا مراكش أربعة اشهر حتى أوشكت على الاستسلام، فاستنهض المخزن قبائل السراغنة لمواجهتهم، إلا أن جموع المتمردين ( نحو 5000 رجل) كانت شوكتهم أقوى. و بعد أن فرغ السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان من فتنة" الروكي" دخل بلاد الرحامنة يوم 31 ماي 1862 في محلة قوامها 9000 رجل و مجهزة ب 14 مدفعا و مدفع " هاون" صغير، و رمت المدفعية المتمردين بسبع قذائف خلفت أإعدادا من القتلى و الجرحى، تم أمر بإلقاء ثلاث قنابل على قرية بزاوية ابن ساسي فتشتت المتمردون ( و قدم 30 رئيسا من رؤسائهم الخضوع و اتقلوا بالأغلال) و كعقاب لهم ( كان الجيش المخزني يجتاح مزروعات الرحامنة و نهب في ابن ساسي الاكباش و الثيران و الشعير و الدجاج و الملابس، حتى أن بعضهم اقتلع نعال الخيول الميتة ). و بعد أن أخد المخزن من رجالها 2000 من العسكر، استحوذ على أجزاء غنية من بلادها ( هي من أخصب البلاد و أزكاها) و انعم بأخرى على قبائل " أحمر" و " عبدة" و " لمنابهة" و " حربيل" و بما تبقى على أفراد من دائرة المخزن كما ترامى جيرانهم على أراضي متاخمة لحدودهم متذرعين بغضب المخزن على العصاة و هو ما أدى إلى تعقد كبير في البنية العقارية من حيث وجوه الاستغلال أو التصرف و واجب كل نوع إزاء بيت المال.

و في سنة 1870 ، خرجت فرقة " البرابيش" على القائد محمد بن بلى ليعم التمرد في القبيلة بعد وفاة سيدي محمد بن عبد الرحمان، لجأ المولى الحسن إلى تقسيم القبيلة إلى 9 إيالات بعدما كانت إيالتين فقط.و في سنة 1894 ، تمرد الرحامنة مناصرين المولى محمد على حساب المولى عبد العزيز بقيادة أمبارك بن الطاهر الرحماني، و بعد قضاء المخزن على هذا التمرد( شتت شملهم و فرق جمعهم و أباد قبيلتهم) ، مما اضعف القبيلة و جعلها راضخة تحت حكم القائد العيادي في بداية القرن 20. و يعتقد الأستاذ عبد الرزاق الصديقي( أن هوس تحريز المجال الرعوي و السعي إلى استرجاع ما كان يضيع منه هو الكفيل بتفسير تمرداتهم على المخزن) و جعلها تأخذ في الكثير من الأحيان طابع احتجاجات مسلحة.

غــــــــــــــــــرائـــ ــــــبالمرجع الرحامنة و علاقتهم بالمخزن :عبد الرزاق الصديقي - 1997)


ذكر " دوتي" في كتابه مراكش بخصوص وضع النساء الحوامل، أن المرأة الرحمانية كانت في حالة استعصاء الولادة تتناول ماءا بعد أن يغسل به زوجها إصبع رجله اليمنى. كان الرحامنة إذا طالت فترة الجفاف و تضررت الأوضاع بسبب تأخر نزول الغيث، يشنقون شريفا مرابطيا بحبل إلى درجة الاختناق الوشيك تم يفرغون عليه الماء قبل فك الحبل من حول عنقه.كما كان يتبارى فريقان احدهما من النساء و الأخر من الرجال في لعبة جر الحبل، و يتجاذبانه إلى أن يتقطع فينهال المتفرجون على المتبارين بالرش بالماء. يؤكد " دوتي" إن الرحامنة كانوا موزعين إلى خمسة أخماس حيث كان " البرابيش" يشكلون خمسا و " أولاد سلامة" خمسين، تم " أولاد بوبكر" خمسين.

مــــــعـــــــالــــــــ م

(المرجع : "الظاهرة القائدية القائد العيادي نموذجا>" للأستاذ عمر الإبوركي 2000)


مدرسة القائد العيادي(أو المدرسة "البنكريرية" كما جاء في المعسول للمختار السوسي)


هي مدرسة عتيقة شيدها القائد العيادي الرحماني في الفترات الأخيرة من حكمه. كانت و لا تزال تشكل أهم المؤسسات العلمية في المنطقة و التي استقدم لها فقهاء من سوس، و استقطبت عددا كبيرا من طلاب المعرفة من داخل و خارج القبيلة لأنها تضمن لهم الإيواء و وجبة يومية و كسوة سنوية. و حبس عليها بعض ممتلكاته من دكاكين في صاغة الذهب و بعض المنازل و الرياضات و أراضي بالحوز و الرحامنة لتكون لها موردا ماليا.
محمية سيد بوعثمان



تمتد محمية سيدي بوعثمان على مساحة 280 هكتار كمحمية للقنص و 420 هكتارا كمساحة إجمالية، و تقع على مرتفعات الجبيلات التي تتيح لزوارها إطلالة بانورامية على مرتفعات الأطلس، و يمكن الاستفادة فيها من خدمات الهاتف الثابت و المحمول. كما يتوفر بها الكهرباء بضغط مرتفع و متوسط. بغطائها النباتي المهم تشكل محمية سيدي بوعثمان واحدة من أهم المواقع الملائمة لتوالد الطرائد بالإضافة إلى تواجد فضاء طبيعي مناسب لتوالد الغزلان التي يبلغ عددها بذات المحمية 95 رأسا منها 34 ذكرا.
المدارس العتيقة ببوشان


كانت بداية القرن العشرين تزخر فيها منطق بوشان بعدة مدارس دينية و علمية تخرج منها الكثير من العلماء و الباحثين، منها مدرسة " كدالة" شرق بوشان و مدرسة" دوار صالح لعبيدات" شمال شرق بوشان ب 15 كلم و مدرسة " الحاج احمد الخضراوي" نسبة إلى الجبل الأخضر الواقع شمال بوشان ب 20 كلم تقريبا. و قد انبثق عن هذه المدارس بعض الفروع، حيث تعد بوشان أكثر مراكز القبيلة حفظة للقرآن الكريم.

معطيــــــــــــــــــــا ت :

الزوايا بقبيلة الرحامنة

(المرجع الظاهرة القائدية القائد العيادي الرحماني نموذجا للأستاذ عمر الإبوركي - 2000)


من بين الزوايا التي تأسست لها فروع بالرحامنة الزاوية الناصرية لوجود ضريح احد شيوخها و عائلة ناصرية لم تنقطع صلاتها بالزاوية الأصل ب" تامكروت" ، و قد مارست وظيفتها الدينية و الاجتماعية و ساهمت في تنشئة العامة و نشر قواعد الطريقة الناصرية وفق تعاليم كانوا يتلقونها من شيوخ الزاوية الأم. فقد أسسوا مدارس لحفظ القران الكريم لما له من قيمة اجتماعية و ثقافية داخل المجتمع المغربي.>أما على المستوى الثقافي و الرمزي، فقد مارس هؤلاء الإشراف بعض الطقوس و أصبحوا مزارا لعامة الناس للتبرك منهم في حفلات الزواج أو الختان أو أثناء عملية الحرث. و عرف المجال الرحماني انتشار مجموعة من الزوايا و الطريقة كالتيجانية و الكتانية و الدرقاوية. و قد ذكر " دوتي" 13 ضريحا بالرحامنة: مولاي عبد الله بن الساسي، سيدي البهيليل، سيدي بن عزوز، سيدي عبد الكريم، بابا عيسى السلموني، سيدي احمد الركيبي، سيدي ناجي، مولاي عمر، سيدي أمحمد بن الكرن، سيدي عبد الله بوالعوينة، سيدي مفتاح بأولاد سلامة، و أخيرا ضريح اولا الزعرية بالبرابيش.

أرقــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــام



مونوغرافيا منطقة الرحامنة

(المرجع : اليوم الثقافي الأول حول الرحامنة جمعية أنفاس- 2003).


السكـــــــــــــــــــــ ـــان


يبلغ عدد سكان مدينة ابن جرير 61.942 نسمة حسب إحصاء شتنبر 2004. بينما يبلغ عدد سكان قبيلة الرحامنة بشكل عام 241.729 نسمة ( إحصاء 1994).المساحة: 548 ألف هكتار بما يمثل 54% من مساحة إقليم قلعة السراغنة

التقسيــــــــــــم الإداري


بلدية واحدة - دائرتان ( الرحامنة و سيدي بوعثمان) - 07 قيادات ( سيدي بوعثمان، لوطا، حد رأس العين، سبت لبريكيين، بوشان، صخور الرحامنة و أولاد أتميم) - جماعة حضرية واحدة و 23 جماعة قروية.

المجـــــال الطبيـــــــعي


الطقس شبه جاف معدل الحرارة الدنيا يتراوح بين 4.3 و 5.1 درجة، معدل الحرارة العليا يتراوح بين 37.5 و 39.3 درجة. معدل التساقطات السنوية 230 ملم ( من 1960 إلى 1998)التضاريس من الشمال إلى الجنوب: هضبة الرحامنة، منبسط الكنتور( الفوسفاط) ، سهول البحيرة
الموارد المائية : المياه السطحية : واد بوشان ( مورد ظرفي) - واد تانسيفت ( صبيب متوسط الأهمية) - واد أم الربيع ( لا تستفيد منه المنطقة)المياه الجوفية: سهول البحيرة ( أهم مخزون مائي المنطقة ) ، الجبيلات و هضاب الرحامنة ( مخزون محدود).

التمـــــــــــــــــــــ ــدرس


حوالي 80% في ابن جرير و 26% في دائرة الرحامنة و 38% بدائرة سيدي بوعثمان.>الأمية: حوالي 45 % في ابن جرير و 83% في دائرة الرحامنة و 77% في دائرة سيدي بوعثمان. البطالة 17% بابن جرير ( إحصاء 94).

الفــــــــــــلاحـــــــ ــــــــة


هي المحرك الأساسي لاقتصاد المنطقة أكثر من 80% من السكان يعيشون من الفلاحة.مساحة الأراضي الصالحة للزراعة : 280.252 هكتار منعها 18600 هكتار مسقية ( اقل من 5%).
الإنتاج الزراعي

مناطق البور الحبوب : 78% من المناطق الصالحة للزراعةالصبار : 15 ألف هكتار العنب : 1226 هكتار
المناطق المسقية :
الحبوب 60% - أشجار الزيتون و الفواكه 26% - الخضروات و الأعلاف 12%.

الإنتاج الحيواني
: الأغنام : 429.000 رأس- الأبقار: 31159 رأس - المعز: 26487 رأس
إنتاج اللحوم
: 4172 طن في السنة
إنتاج الحليب
: 14.6 مليون لتر في السنة

المعـــــــــــــــــــــ ـادن

الفوسفاط - الرصاص - الزنك - الباريتين - و الميكا المقالع الصخور الرخامية - مواد البناء
الصنـــــــــــــــاعــــ ــــــــة
مشروع منطقة صناعية بابن جرير و أخرى بسيدي بوعثمان المشاريع الجاهزة : مطحنة لإنتاج الدقيق - وحدات إنتاج البيض - معمل إنتاج المعطرات الغذائية - معمل إنتاج الأعمدة الإسمنتية الكهربائية - وحدة لإنتاج مواد البناء

عبد الرحمان البصري

المدارس العلمية العتيقة بالرحامنة تقاوم الإهمال



تزخر الرحامنة، من شمالها حتى أقصى جنوبها، بالعديد من المدارس العلمية
العتيقة، التي تشكل أحد أهم مكونات الحياة الثقافية بالمنطقة. وإذا كانت
لهذه المدارس العلمية العتيقة بالرحامنة وقت تأسيسها إلى جانب دورها في
تلقين الطلاب العلم والمعرفة، مهام أخرى مرتبطة بالتصدي لثقافة المستعمر
والمساهمة في تأهيل أطر الدولة المغربية المستقلة، فإن حالة الإهمال التي
تعيشها اليوم تدعو إلى القلق الشديد و تبعث على التذمر. فمنها ما اندثر و
أضحى أطلالا كالمدرسة “الخضراوية” بالجبل الأخضر بأقصى الشمال الشرقي
للرحامنة و التي أسسها الفقيه الحاج احمد الخضراوي، ومدرسة “كدالة” شرق
بوشان التي شيدها العلامة سيدي عياذ الكدالي والذي خصه المختار السوسي
بترجمة هامة في كتابه “المعسول”، ومنها مدارس لازالت تقاوم يد الإهمال
التي امتدت إليها قسرا كمدرسة دوار صالح لعبيدات شمال شرق بوشان ومدرسة
الهدى بجماعة الجعيدات، ومدرسة مركز بوشان، و مدرسة ابن خيران بقيادة
أولاد أتميم. ولعل أهم معلمة ثقافية بمنطقة الرحامنة يطالها التهميش على
مرأى و مسمع من القيمين على شؤون الأوقاف الإسلامية و الثقافية والتربية
الوطنية إن على المستوى الإقليمي أو الوطني، هي مدرسة “القائد العيادي
العتيقة” بابن جرير. مدرسة القائد العيادي أو المدرسة البنكريرية كما
يسميها محمد المختار السوسي، كانت نواتها الأولى، في العشرينيات من القرن
الماضي، عبارة عن كتاب يتخرج منه حفظة القرآن الكريم من أبناء المنطقة و
نواحيها. إلا أن التاريخ الرسمي لإحداثها، كمؤسسة تعنى بتدريس علوم
الإسلام و اللغة و غيرهما، كان في سنة 1946. ويعتقد الدكتور محمد ناجي بن
عمر، أستاذ بكلية الآداب بجامعة ابن زهر بأكادير، أن السياق الثقافي الذي
ظهرت فيه المدرسة العيادية، باعتبارها فضاء يستقطب الطلبة من مختلف أنحاء
المغرب، لا يمكن فصله عن الأوضاع السياسية في المغرب خلال السنين الأخيرة
قبل الاستقلال. ففي إطار سلك الحركة الوطنية لاستراتيجية نشر العلم بشكل
مؤسساتي يضمن للدولة تأهيل الأطر عندما تحصل على الاستقلال، عن طريق
انتداب أعضاء منها الى حواضر المغرب لقيادة نهضة علمية في مواجهة الثقافة
الاستعمارية، بعثت محمد الغازي الى الدار البيضاء، و عبد السلام الوزاني
الى وجدة، والمكي الناصري الى تطوان وإبراهيم الوزاني الى تازة و بوشتى
الجامعي الى القنيطرة والمختار السوسي و أخاه إبراهيم الإلغي الى مراكش
حيث سيعملون على افتتاح مدارس حرة كشكل من أشكال المقاومة في غياب أحزاب
سياسية مهيكلة. وبعد أن أسس مدرسة الرميلة بمراكش، توجه المختار السوسي
الى ابن جرير مستثمرا علاقته الجيدة بالقائد العيادي الذي كان يوكل إليه
تنظيم تعليم أولاده، فأقنعه بتشييد المدرسة، و كان للسوسي ما طلب “فبنى
المدرسة في قرية (ابن كرير) في قبيلة الرحامنة و جعلها على يدي”
(المعسول). و بذلك يجزم د. محمد ناجي بن عمر بأن “تأسيس المدرسة
البنكريرية يكاد يشكل أحد الاستثناءات القليلة التي يتفق فيها المثقف
الوطني مع رجل السياسة حول نقطة حاسمة في الوجود الثقافي”. من جهته يعتبر
ذ. عمر الابوركي أن القائد العيادي، الى جانب كونه رجل سياسة و حرب، كان
يساهم في تنظيم المجال الثقافي، و أن بناء المدرسة العيادية و مسجدها تم
في الفترة التي أصبح فيها العيادي يجالس العلماء و الفقهاء، و أن ذلك تم
بتأثير من صديقه العالم محمد المختار السوسي. كانت مدرسة القائد العيادي
تستقبل، على غرار المدارس العلمية العتيقة الأخرى، حفظة القرآن الكريم و
تلقنهم علوم اللغة و العلوم الدينية استنادا الى أمهات المراجع والكتب.
فحسب د. محمد ناجي بن عمر، كان طلبتها يدرسون في النحو مقدمة ابن أجروم و
منظومة الجمل ولامية الأفعال والألفية لابن مالك. أما في اللغة والأدب،
فيعتمدون على القاموس المحيط و تاج العروس والمعلقات السبع واللاميات
الثلاث، و قصيدة بانت سعاد و البردة واللمزية و الشمقمقية، و دالية اليوسي
و رسالة ابن زيدون. كما يدرسون البلاغة و العروض و العلوم الشرعية كالفقه
و أصوله و الحديث والتفسير و السيرة النبوية، إضافة الى علوم أخرى كالفلك
و التوقيت و الحساب و المنطق. فالملاحظ أن طلبة مدرسة القائد العيادي
كانوا يزاوجون في دراستهم بين الأدب و الدين و العلم في تناغم و اعتدال و
تمسك بالثوابت الدينية للأمة المغربية و على رأسها المذهب المالكي. و قد
استقدم المختار السوسي للمدرسة فقهاء من سوس أبرزهم : إبراهيم بن احمد
الإلغي، المعروف عند طلبة المدرسة بإبراهيم المرشد و الذي كان المختار
السوسي يعزه و يقدره كثيرا، وقد تنقل بين مدارس في سوس ثم بالقرويين
فمراكش ثم “عميدا” للمدرسة البنكريرية وتوفي في 29 ماي 1989. و الأستاذ
محمد بن نصر بن الحسن، و يعرف لدى الطلبة ببناصر المنتصر، الذي ينحدر من
إلغ، ألحقه المختار السوسي في أواخر 1947 بالمدرسة العيادية وتوفي في 17
فبراير 1982. و من أبناء المنطقة، الأستاذ سالم بنيعيش المزداد سنة 1920
بدوار النواجي، درس بابن يوسف بمراكش وبالقرويين التي تخرج منها سنة 1947
قبل أن يلتحق بالمدرسة البنكريرية، و قد توفي في 13 فبراير 1993.
كانت هذه المؤسسة التعليمية تتيح لطلبتها آفاقا علمية واسعة تبوئهم أعــلى
المناصــب. وبحســــب د. بن عــمر، فإنها كـــانت بــمثــابــة ثــانويــة
باللــغــة التربــويــة و التعــليــمــية الحالية، حيث كانت تستقبل حفظة
الذكر الحكيم (الحاصلون على الشهادة الابتدائية بلغة اليوم)، الذين يقضون
بها فترة معينة ثم ينتقل المتفوقون منهم إلــى مدرســة ابــن يوســف التي
كانت بمثابة كلية. و بالقرويــين كان الطلبة يحصلون على شهادة “العالمية”
التي تعادل اليوم شهادة دكتوراه الدولة. كما كانت المؤسسة توفر لطلبتها
الإيواء في 48 بيتا للسكن، والمؤونة و كسوة سنوية. وقد أدرج الأستاذ عمر
الابوركي في كتابه “الظاهرة القائدية” أهم الأملاك العقارية التي حبسها
القائد العيادي على المساجد و المدرسة وهي: 36 دكانا في سوق الذهب بالملاح
بمراكش، دكاكين ومنازل بحي باب دكالة، رياض بحي القصبة، مجموعة من
الرياضات بحي قصيبة النحاس داخل مراكش، ثلث أراضي تافراطة بالحوز، أراض
فلاحية شاسعة ببوشان وبجماعة لبريكيين بالرحامنة، فرنان و حمام بابن جرير.
فماذا بقي اليوم من المدرسة البنكريرية غير بناية يخالها المارة ملحقة
بالمسجد القديم؟ بناية تنضح بعبق التاريخ، وتذكر بزمان الوصل الجميل
بالأندلس. فقد تراجعت المكانة العلمية للمدرسة من صرح علمي يضاهي أعرق
المؤسسات التعليمية بالمملكة، الى مجرد مدرسة ابتدائية مهملة و مهمشة تعنى
بالتعليم العتيق غير مصنفة و غير معترف بها من طرف وزارة التربية الوطنية.
شهادة متابعة الدروس التي تسلمها إدارتها لا تتيح للطلبة الالتحاق بمؤسسات
تعليمية أخرى قصد متابعة دراستهم. المنح الدورية الهزيلة التي يستفيد منها
طلبتها، والتي لا تتجاوز 300 درهم، لا تسمح لمعظمهم بمتابعة الدراسة. فمن
أصل 70 طالبا يلتحقون بالمدرسة عند بداية كل موسم دراسي، يغادر أكثر من
نصفهم المؤسسة قبل نهاية السنة الدراسية. هدر مدرسي من نوع آخر تعرف
أسبابه بينما تجهل نسبه الحقيقية و الصادمة. الطاقم التربوي، الذي لا
يتجاوز أربعة أساتذة بمن فيهم مدير المؤسسة، يعاني في صمت من أوضاع
استثنائية بكل المقاييس. فالتعويضات الشهرية لا تتجاوز 1000 درهم لا تسلم
لهم إلا بعد طول انتظار يمتد لأكثر من ثلاثة أشهر، وتلكؤ و تسويف من لدن
وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية. أساتذة لا يخضعون لقانون الوظيفة
العمومية ولا يستفيدون مــن أية تغطــية صحيــة واجتــماعــية، كــما أنهم
غير منخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و لا في الصندوق المغربي
للتقاعد، ولا يتلقون البتة أي تحفيزات. ومن عجائب المفارقات أن لا يجد
طلبة المدرسة البنكريرية، غالبا، ما يسدون به رمقهم، فيضطر أساتذتهم إلى
طلب المساعدة من بعض المحسنين أو أصحاب الأفران لمدهم بالخبز، في الوقت
الذي تقدر فيه القيمة المالية للعقارات التي حبسها المؤسس على المدرسة
بملايير السنتيمات. ويحب أحد الأئمة من قدماء هذه المدرسة أن يروي لطلبته
كيف أن باعة الذهب بملاح مراكش، و هم من المغاربة اليهود، كانوا يؤدون
بانتظام واجبات كراء الدكاكين، التي كانت تناهز 700 درهم شهريا في سنة
1986، بحسب الفقيه، لأنهم يعلمون أنها محبسة على المدرسة، مرددين بلكنتهم
المميزة “كاع لي مشات في الجامع مزيانة”، بينما يتقاعس بعض التجار
المسلمين في أداء ما بذمتهم. وعن حالة المؤسسة، يلخصها أحد أبناء
المـديـنة في مطلب واحــد ومحــدد “خــاصهــم يــعـــطــيـــو
للـــمـدرســة فــلـــوس كراء املاكها”. وقد كان الأساتذة و الطلبة يمنون
النفس بزيارة وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامـية للـمـدرســة خـلال حلوله
مؤخرا بابن جرير للإشراف على تدشين بناء أحد المساجد للوقوف على حقيقة
الأوضاع بها. إلا أن شيئا لم يتحــقــق من انتظاراتهم، و لازالت
المــدرســة تــقــاوم بإبــاء وإصـرار آلة الإهمال المسلطة عليها و حالة
التهميش الذي لحقها.
والى جانب ضرورة التدبير الشفاف للموارد المالية والعائدات التي تدرها
الأملاك المحبسة على المدرسة، ترى بعض الفعاليات الثقافية المحلية أنه آن
الأوان لتأسيس جمعية لقدماء هذه المعلمة الثقافية من أجل صيانة ذاكرتها. و
يقترح محمد ناجي بن عمر، في هذا السياق، تنظيم أنشطة
و ندوات علمية و مباريات لحفظ القرآن و مناظرات شرعية و مسابقات ثقافية
بمقر المؤسسة من لدن المجلس البلدي ومجلس الجهة. ومن باب الذكرى و
العرفان، يقترح أن يسمى الشارع المار أمامها باسمها، و أن يسمى أحد شوارع
المدينة أو مؤسساتها التعليمية باسم أساتذتها و فقهائها. كما يطالب
الأساتذة بتوسيع المدرسة، التي لا تتوفر حاليا إلا على حجرتين دراسيتين
دون المساس بأصالة معمارها. و ذلك في أفق تحويلها الى ثانوية للتعليم
العتيق معتمدة و معترف بها من قبل وزارة التربية الوطنية، وبالاعتراف
حاليا بشهاداتها ومعادلتها بباقي شواهد المؤسسات التعليمة الأخرى. المدارس
العتيقة الأخرى بالرحامنة المدارس العلمية العتيقة الأخرى بمنطقة الرحامنة
ليست أحسن حالا من المدرسة البنكريرية. ففي الوقت الذي أصبحت فيه العديد
منها في خبر كان كالمدرسة الخضراوية ومدرسة كدالة، فإن المدارس الأخرى
تعاني من تواضع تجهيزاتها و هزاله الإمكانيات المتاحة للطلبة والأساتذة.
فلازالت قاعات الدراسة بأغلبها تفتقر إلى المقاعد والأفرشة وتقتصر على
“الحصير”. فسواء بمدرسة الهدى للتعليم العتيق بدوار الفدان العريان بجماعة
الجعيدات بقيادة رأس العين بجنوب الرحامنة، أو بمدرسة ابن خيران بقيادة
أولاد أتميم بشمالها، مرورا بمدرسة أولاد صالح لعبيدات بجماعة آيت الطالب
و بمدرسة مركز بوشان، فالأوضاع ترشح بالإهمال و التهميش، في ظل لامبالاة
الجماعات المحلية ووزارة الشؤون والأوقاف الإسلامية و وزارة التربية
الوطنية، و قصور و خلل بين في أداء و تدخل السلطات المحلية و الإقليمية
لإنقاذ ما تبقى من هذه المعالم الثقافية.

ابن جرير : عبد الرحمان البصري

الاثنين، 16 فبراير 2009

شباب ابن جرير منفردا يقود بطولة القسم الاول هواة



حقق فريق شباب ابن جرير الأهم خلال استقباله زوال اليوم السبت، لفريق رجاء بنب ملال على ملعب صخور الرحامنة برسم الدورة للبطولة الوطنية القسم الاول هواة شطر الوسط ،حيث فاز عليه بهدف لصفر سجله الاعب السنغالي بوبكر 20 دقيقة بعد انطلاقة الجولة الثانية، من نقطة الجزاء. وقد جاءت المقابلة متكافئة من حيث الاداء مع ضغط خفيف للفريق المحلي .وقد عرفت المقابلة احتجاجات قوية لعناصر الفريق الضيف و بعض افراد الجمهور المرافق له على التحكيم مما استدعى تدخل رجال الدرك لتوفير الحماية للحكم مباشرة بعد اعلانه عن نهاية المبارة. وبهذه النتيجة ينفرد فريق الشباب بالمركز الاول للبطولة في انتظار القادم من الدورات
ابن جرير . نت

ابن جرير:مقر جمعية التويزة يتعرض للسرقة و الشرطة توقف الجناة بعد ساعات

نجحت عناصر الشرطة القضائية بمفوضية ابن جرير في وقت قياسي، لم يتعدى الساعتين ،في فك لغز السرقة التي تعرض لها مقر جمعية حركة التويزة صباح اليوم. حيث اكتشف القائمون على الجمعية بمجرد ولوجهم للمقر اختفاء احد الحواسب المحمول من النوع المتطور والغالية الثمن، بالاظافة لبعض اللوازم التكنولوجيا الاخرى. وفور اشعارهم بحدوث السرقة حلت عناصر الشرطة من اجل معاينة المكان الذي تعرض للسرقة و استبيان الطريق التي امكن لللصوص التسلل بها لمقر الجمعية.ومن خلال المعاينة الأولية لمسرح الجريمة وقف رجال الشرطة على اثار حداء رياضي كان فوق الواقي من الشمس بجانب الشرفة التي تطل على الشارع، وبتتبع هذا الاثر وجد المحققون انه ينتهي بمحاذاة احد البيوت المجاورة ،وبعد التحري تبين لهم ان بعض المراهقين باتوا الليل بالمنزل اياه ، وبترصد احد هؤلاء المراهقين واخضاع للبحث والتدقيق اعترف انه كان يقضي الليل بمنزل قريب احد اصدقائه و برفقة شخص ثالث وانه تسلل للمقر في جنح الظلام واخد منه ما قل وزنه و غلى ثمنه. وقد لعب الحذاء الرياضي دورا كبيرا في ثثبيت التهمت عليه حين حاول في اول الامر الانكار، حيث كانت بصمة الحذاء الذي وجد في منزله مطابقة للاثار الموجودة بالقرب من شرفة مقر الجمعية. ومن المنتظر ان تحيل الضابطة القضائية بمفوضية ابن جرير الاشخاض الثلاثة الموقوفين على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بمراكش بعد غد الثلاتاء.